Friday, August 18, 2006

النظرية التوليدية التحويلية-

تمهيد :

يظهر أن تشومسكي N. Chomsky صاحب النظرية التوليدية التحويلية، ومن قبله أصحاب الفعل الكلامي، وهم جماعة مدرسة اكسفورد اللغوية الذين أفاضوا في تأصيل نظريتهم التي تعتمد طرائق تأدية الفعل الإنساني، وما يمكن أن تتمخض عنه من دلالة مركزية أو دلالة هامشية، معتمدة الأعراف Convention والمقاصد Intention في عملية الوضوح الدلالي.

وقد تمثلت نظرية تشومسكي البنيوية أساسا في رسم أبعاد التحليل الدلالي ورؤية العلاقة الجدلية بين اللفظ والمعنى وخلق مستويات متعددة للعمق الإجرائي التوليدي لأصغر جزئية ممكنة ترسخ في الذات أو تطفو على السطح من خلال انتظامها وتشكيلها داخل السياق اللغوي وسياق الحال. ([1])

وقام تشومسكي بتحليل الجملة بوساطة الإرجاع إلى المكونات المباشرة ، فقد تكون علميا ضمن إطار المدرسة التوزيعية التي قادها بلومفيلد وتلاميذه ولا سيما هاريس أستاذ شومسكي . ويلاحظ الدارس أن تشومسكي تأثر ببلومفيلد حين رأى أن من الممكن وصف النحو دون اللجوء إلى المعنى. ومن هنا يظهر سعي تشومسكي للوصول إلى قواعد شاملة تنتظم تركيب الجملة في جميع اللغات على أساس أن هناك عوامل مشتركة بين البشر. إن هذه العوامل تمثل أوجه الشبه الملحوظة بين لغات العالم والتي تدعى بالشموليات الشكلية ويذكر إيلوار أن من المسلمات الأولى للنحو التوليدي وضع قواعد شاملة ، أو إنشاء نظرية نحوية تستطيع شرح القواعد في سائر اللغات . ويستند هذا ـ كمايقول أيلور ـ إلى آراء النحاة المناطقة الذين ارتأوا أن أنماط التفكير التي التزم بها العقل البشري قد فرضت على اللغات كافة.([2])


× النظريات الفونولوجية:
يمكن دراسة الصوتيات العربية من الزاوية الفونولوجية في إطار ثلاث نظريات:

1- النظرية الفونولوجية البنيوية التقليدية:
وهي مبنية على أعمال تروبستكوي والتي تحدد الصفات المميزة انطلاقا من التصنيف الفيزيولوجي المبني على المخارج والصفات التابعة لها مثل الهمس والجهر، الفموية والخيشومية، الشدة والرخاوة، الإطباق والانفتاح.

وفي هذه النظرية تكون التقابلات ثنائية وغير ثنائية، ويلعب المخرج دورا أساسيا إذ يمكن من إجراء تجزئة للحروف تجعل التقابلات الثنائية تجري داخل كل مجموعة من مجموعات التجزئة.

2- النظرية الثنائية ( جاكبسون ) :
الصفات في هذه النظرية مبنية على الخواص الفيزيائية للمصوتات وهي كلها ثنائية، ويلعب المخرج دورا ثانويا فقد يتحد مخرج الشفتين ومخرج الحلق في صنف واحد، وينتمي مخرج الكاف والهاء إلى المجموعة نفسها.

3- تصنيف التحويليين :
هذا التصنيف مبني على أعمال جاكبسون، ولا يتغير إلا قليلا ، ولكن النظرة لمفهوم الصفة المميزة تتبدل بصفة جذرية وتدرس على المستويين التعويضي(*) والتركيبي(**). ([3]) وقد استعمل تشومشكي وهالي للإنجليزية الصفات التالية: متقدم، وأسلي، ومجهور، ومستمر، وأغن، وصاخب، وجرسي. أما الحركات فإنهم يصفونها بما يلي: مغلق، ومفتوح، ومتأخر، ومتوتر.([4])

لقد كان علم الأصوات يبحث في الصوامت والصوائت والعلل والمائعات. أما جاكبسون فقد اكتفى باقتراح سمات ثانوية ( + صامتي ) ، ( + صائتي ) حدد بهما الطبقات الكبرى للقطعات (الفونيمات) إذ تضم طبقات الصوامت الأصوات الشديدة والرخوة والمزجية والأنفية. وهذه السمات الثانوية تمكن من رصد الطبقات الطبيعية. فكل تخصيص يلعب دورا في النسق التقابلي أو في التمييز الفوناتيكي، وله بجانب هذا غرضان :

أ – إضفاء خاصية على قطعة (فونيم).
ب – إكساب العضوية لقطعة داخل طبقة كل القطع التي تشترك في هذه الخاصية. فمثلا ( - خلفي ) ليست خاصية مقصورة على الفتحة فقط، بل إنها تميز طبقة الفتحة بجميع درجات نطقها.([5])







× الصوتيات العربية والصوتيات التوليدية :

إذا كانت الصوتيات التقليدية تتواخى استخلاص الصوتيات التي تخص كل لغة طبيعية بواسطة شبكة التقابلات، فإن الصوتيات التوليدية تهتم بمنح صورة تلفظية للبنية التركيبية السطحية التي تنتجها التحويلات التركيبية في النموذج المعيار. وهي كالتركيب تعمل عل مستويات، وتطبق قواعدها على التمثيل التحتي لتصعد به إلى مستوى النطق. فالمستوى التحتي يمثل الأصل وتوصله القواعد التي تطبق عليه إلى المستوى المنطوق.

وتأتي في بعض الأحيان البنية السطحية، التي تكون مخرجا للتحويلات التركيبية، على صورة لا تلائم مع متطلبات المستوى الصوتي الذي يكون التمثيل التحتي. فيحتاج إذاك إلى قواعد تسمى قواعد التعديل لتحويل البنية السطحية في التركيب إلى بنية تحتية، فالصوتيات تطبق عليها القواعد الفونولوجية فتوصلها إلى المستوى المنطوق. ولا تبحث الصوتيات التوليدية على الصوتيات التي تكون نسقا صوتيا للغة ما وحسب، بل ترمي كذلك إلى منح بنية لصرفيات هذه اللغة وإقامة قواعد تطبق على هذه البنية، ومن هنا يتضح أن الصوتيات لها جوانب صرفية وفوناتيكية، وخاصة الصوتيات التي وضعها تشومسكي وهالي التي تعرف بالنظرية المعيار Standard Theory .([6])







× القواعد الفونولوجية في النظرية التوليدية التحويلية:

إن الفونولوجيا في المدرسة التقليدية لاتقتصر على وصف للوحدات ، وتحديد ما يميز بعضها عن البعض الآخر ، وإنما الغرض هو الانتقال من مستوى لآخر ، وذلك في إطار شامل هو النحو. ويكون العنصر الفونولوجي أحد قواعده .

ولا بد من الإشارة إلى أن ما ينضوي تحت " القواعد التوليدية والتحويلية " في تطور مستمر منذ عام1957 حين ظهر كتاب " البنى التركيبية " حتى الآن ، مرورا بكتاب " مظاهر النظرية التركيبية " الصادر عام1965 ، وكتاب " دراسات الدلالة في القواعد التوليدية " الذي ظهر عام 1972 ، وكتاب " دراسات في الشكل والتفسير " ، عام 1977. ويقوم هذا التطور على فرضية علمية ترى أن الدراسات اللاحقة يمكن أن تعدل النظريات السابقة . " إن كل فرضية في إطار الألسنة التوليدية والتحويلية هي صحيحة ما لم تبرهن المعطيات اللاحقة عدم صحتها ، وبالتالي ، كل فرضية هي قابلة مبدئيا أن يعاد النظر فيها " . ([7])

وقبيل أن نشير إلى قواعد التوليديين لا مناص من الحديث عن مجموعة التقنيات في هذه النظرية :

1ـ القاعدة التعويضية : " أ ب" : هذه القاعدة تعني أن كل عنصر أ يعوض بالعنصر ب ، وتقرأ " أ يكتب ب " أو " أ يحول إلى ب" .

نفرض أننا نريد تغيير حرف النفي الدال على الماضي " لم " ، إلى حرف نفي دال على المستقبل " لن " بإمكاننا أن نكتب : / ن / ، ولكن هذه القاعدة إذا طبقت على جملة مثل ( لم أسمع ) فإنها تحويلها إلى ( لن أسنع ) ، ولهذا فإنه من اللازم أن يحدد النطاق الذي نطبق فيه القاعدة .

2ـ القاعدة : أ ب / س ـ ع: هذه القاعدة تقرأ أ يحول إلى ب عندما يكون مسبوقا بالعنصر س ومتبوعا بالعنصر ع ، الرمز../ .. يعني " في السياق" والخط " ـ " هو مكان العنصر الذي يطبق عليه التحويل .
نفرض أننا نريد تكوين المثنى :
زرقاء زرقاوان
قاعدتنا تكتب : ء وان / زرقا #
وتقرأ : الهمزة تصبح " وان " عندما تكون في نهاية الكلمة ومسبوقة " بزرقا " .
الرمز # معناه : حد من حدي الكلمة .
ولكننا إذا أردنا ألا تقتصر قاعدتنا على كلمة زرقاء يلزمنا أن نعطيها شكلا أعم مثل :
/ ـ اء / / اوان / : مثنى ـ
التي تعني أن : " مثنى " + " اء " = / اوان /
وبالكتابة الصوتية العالمية فإنه بإمكاننا أن نعبر على القاعدة بما يلي :
/ awan / / -a? / .
ويمكن إدراج هذه القاعدة في قاعدة عامة لتكوين المثنى باستعمال مرحلتين :
( زرقاء زرقاءان زرقاوان ) ، وذلك بتطبيق التحويل النموذجي الذي الذي يضيف " ان " ثم قلب الهمزة واوا ، وكل هذه القواعد باستطاعتنا التعبير عنها بواسطة كتابات شكلية .
وعلى المستوى الفونولوجي فإنه بالإمكان التعبير على كثير من الظواهر بواسطة قواعد من النوع السابق . لنأخذ مثلا إدغام النون في الميم في العربية . نعرف أن كل نون ساكنة متبوعة بحرف الميم تدغم فيها ( من ما مما ) ، هذه القاعدة بالإمكان كتابتها على الشكل :
+ شفوي
+ خيشومي
( + خيشومي) ( + شفوي ) / ـ

وهي تقرأ : " كل حرف خيشومي يصبح شفويا في السياق : حرف خيشومي متبوع بحرف شفوي خيشومي " .

اهتمام الفونولوجيا التحويلية بالنحو قبل كل شيء ، ومحاولة إدراج الفونولوجيا ضمنه ، يظهر وكأنه من الناحية المنهجية ، معاكس تماما لموقف المدرسة البنيوية القديمة التي حاولت وصف الجمل على النمط التي توصف به الوحدات الفونولوجية. ([8])

والقواعد الفونولوجية في المدرسة التوليدية يعبر عنها بواسطة كتابات رمزية تشير إلى تعويض عنصر بآخر أو حذف وحدة أو تبديل موقعها. وأبسط هذه القواعد هي القاعدة التعويضية سابقة الذكر التي يمثلها آخرون بالأمثلة التالية:
1- أ ب / س ـ ع
التي تقرأ ( أ يصير ب في السياق س ـ ع ) أو ( بين س و ع )، وإذا كان العنصر ع غير لازم للقاعدة فإننا نكتب:
2- أ ب / س ـ
وتقرأ ( أ يصير ب بعد س )
ـ وإذا أردنا أن نعبر عن التحويلات التالية في العربية:
( اصتلح اصطلح، اصتبر اصطبر ) التي تخص التاء التي تفخم بعد الصاد فتصبح طاء، فإنه يمكننا أن نكتب:
3- ت ط / ص ـ
وهذه الكتابة تعني أن التاء تصير طاء بعد الصاد.
القاعدة الثالثة تعني أن التاء تتبع مباشرة حرف الصاد وأنه لا يفصل بينهما حركة ولا حد كلمة، فإذا أردنا أن نعبر عن التحويلات التي تشبه:
من ما مما، عن ما عما،
حيث تدغم النون التي في نهاية كلمة مع الميم التي تتصدر الكلمة التي تتلوها، فإن قاعدتنا تكتب كالآتي:
4- ن م / ـ # م
الرمز # يشير إلى نهاية الكلمة.
وإذا أردنا أن نوحد بين القاعدة الرابعة والقاعدة:
5- ن م / ـ م
التي تعبر عن تحويلات مثل: انمحى امّحى
# م
مفإنه بإمكاننا أن نستعمل الكتابة:
6- ن م /
التي تعني أن النون تصير ميما عندما تكون متبوعة بميم في كلمة ثانية أو الكلمة نفسها. وهذه القاعدة يمكن التعبير عنها بالكتابة:
7- ن م / م ـ (#) م
حيث يعني القوسان أن ما بينهما يكون واردا أو غير وارد على حد سواء. ([9])


× التمثيلات والقواعد :


تكون الصوتيات التوليدية مجالا من مجالات النحو التوليدي الذي يعرف بماهية اللغة ويكتشف نوع المعلومات التي توجد عند المتكلم السليقي ويبين كيف يتوصل هذا الأخير ، انطلاقا من معلومات متناهية ، إلى بناء عدد لا متناه من الجمل .
ويفترض النحو التوليدي وجود معجم تحتضنه ذاكرة المتكلم ويضم مكونات الجمل التي لا تدرك بالتنبؤ ( أو بالقياس ) . ويحتوي هذا المعجم على المعلومات الخاصة التي تحصل بالتعلم .
أما تشومسكي فقد نظم النحو في نموذج 1965، إذ جعل المكون التركيبي يضم نوعين من القواعد : قواعد بناء وقواعد تحويل . فقواعد البناء توجد في المكون القاعدي الذي تدرج فيه الصرفيات المخزنة في المعجم ، وتعكس هذا الأمر التمثيلات التركيبية للبنية العميقة التي تختلف ، في كثير من الأحيان ، عن الشكل التركيبي السطحي .

وتكون تمثيلات البنية العميقة التي ينتجها المكون القاعدي الدخل للمكون التحويلي الذي يضم قواعد التحويل ، وينتج عن تطبيق القواعد التحويلية البنية السطحية للجملة . ويعالج المكون الفونولوجي هذه البنية، وينتج الصورة النطقية .

تنقسم الخصائص النطقية إلى ما هو خاص ويتضمنه المعجم ، وإلى ما تنتجه القواعد الفوناتيكية في المكون الفونولوجي للنحو ، وسيفرق ، بناء على هذا، بين مستويين في تمثيل البنية الفونولوجية لصرفية ( morpheme ) أو لكلمة أو جملة هما :
أ ) التمثيل التحتي (representation underlying ) الذي يحتوي على كل المعلومات الخاصة .

ب ) التمثيل الأصواتي (representation phonetic ) الذي يدخل المعلومات المتنبأ بها بواسطة القواعد التي تحول التمثيل التحتي إلى منطوق .([10])

أما القواعد التحويلية فهي القواعد القادرة على وصف اللغة وتفسير معطياتها كما يقول تشومسكي . وتعتمد القواعد التحويلية في المقام الأول على تطبيق قواعد تركيب أركان الجملة ، ثم تجري عليها تحويلات إجبارية أو اختيارية . إن قواعد التحويل تبين الكيفية التي يتم الانتقال بها من المستوى المجرد للبنية العميقة إلى مستوى آخر هو الشكل النهائي للجملة في البنية السطحية. وهذا ما يفسر تنوع البنى السطحية وتعددها ،قياسا إلى العدد المحدود للبنى العميقة .

وللتحويلات أكثر من نموذج . فهناك التحويل بالقلب ، والتحويل بالحذف ، والتحويل بالتبديل ، والتحويل بالجمع . وهي في مجموعها نوعان : قواعد تحويلية اختيارية ، وقواعد تحويلية إجبارية . وانتهى تشومسكي إلى أن عملية إنتاج الجملة تتمثل في العنصر الأولي من البنية العميقة التي هي قواعد مجردة مع وحدات معجمية تمثل الأولية للجملة . أما المكون التركيبي فهو ما عرفناه من قواعد إعادة الكتابة في النموذج الثاني لدى تشومسكي . ويقدم المكون التحويلي مجموعة من القواعد الإجبارية والاختيارية التي تتبدل بها أركان الجملة وتبين العلاقات القائمة بين الجمل في البنية السطحية إذ تردها إلى بنية عميقة واحدة . ويمثل المكون الصرفي ـ الصوتي القواعد التي تحول كل جملة من صورتها التركيبية حين برزت على هيئة سلسلة من المورفيمات الحرة أو المقيدة ، إلى الصورة الصوتية. ويتم أخيرا التمثيل الصوتي للجملة ، أي التركيب السطحي الذي تنطق به.([11])

ولكي تمنع القواعد الجمل السابقة من أن تتكون في البنية العميقة ، ينبغي إضافة قواعد تعمل على تحليل الكلمات إلى السمات المكونة لها ، كما في التعليمات التالية:
أ ) كلمة " الحليب " تحتوي على سمة ( _ متحرك ) .
ب ) كلمة " الطفل " تحتوي على سمة ( + متحرك ) .
ج ) كلمة " شرب " فعل يتطلب فاعلا يحتوي على سمة ( + متحرك ) ، وهو لا يقبل فاعلا يحتوي على سمة ( - متحرك ) .

يضم الجانب الدلالي في هذه النظرية القواعد المعجمية ضمن المكون الأساسي من جهة ، وقواعد الإسقاط الدلالية والتفسير الدلالي ضمن المكون الدلالي من جهة أخرى . ففي القواعد المعجمية تتعين المفردات بمقومات نحوية وأخرى دلالية . فكلمة " رجل " تتعين بالمقوم النحوي " اسم " ، وبالمقومات الدلالية أو السمات المعنوية : " مادي ، عضوي ، حي ، حيوان ، إنسان ، ذكر ، راشد ". إن مهمة هذه القواعد هي إسناد معنى أولي لكل كلمة ، وخصها بسمات صوتية وتركيبية ودلالية . أما قواعد الإسقاط فتربط بين الكلمات والبنى التركيبية للتوصل إلى مدلول الجملة . وسميت القواعد بقواعد الإسقاط ، لأن قواعد الدلالة تسقط المعنى على بنية معينة .([12])

× الصفات المميزة حسب المدرسة التوليدية:

الوحدة القاعدية للفونولوجيا التوليدية ليست الفونيم وإنما صفاته المميزة، وهذه الصفات حددت من طرف تشومسكي وهالي استنادا لأعمال جاكبسون. فالتمثيل الفونولوجي في هذه المدرسة هو جدول مستطيل أو مصفوفة مكونة من عدة أسطر عناصرها قيم لصفات مميزة، كل سطر هو قيم لإحدى الصفات التي تحددها النظرية الفونولوجية، وكل عمود يمثل في نقطة زمنية محددة، تراكم الصفات في هذا العمود يسمى ( قطعة )، وهو ما اصطلح عليه في النظرية الأخرى بكلمة ( فونيم )؛ فعلى سبيل المثال نفرض أن الكلمة التي تكتب صوتيا ( بوب ) تحددها في لغة من اللغات المصفوفة التالية:

ب
و
ب
- صائتي
+ صامتي
- كثيف
- حاد
- خيشومي
- مجهور
- مستمر
+ صائتي
- صامتي
- كثيف
+ حاد
- خيشومي
+ مجهور
+ مستمر
- صائتي
+ صامتي
- كثيف
- حاد
- خيشومي
- مجهور
- مستمر

العمود الأول والثالث هو مجموعة صفات الحرف ( ت )، بينما العمود المركزي هو مجموعة صفات الحركة ( و )، وكل سطر يمثل التغيرات التي تتخذها ـ عبر الزمن ـ صفة من الصفات خلال التلفظ بالسلسلة الكلامية. ([13])


× الوصف الفونولوجي والواقع النفاسي :

يقوم الوصف الصواتي على واقع نفاسي . فهناك المستوى الفونولوجي والمستوى الفوناتيكي ، وهناك القواعد الفونولوجية التي تحول التمثيلات الصواتية إلى تمثيلات صوتية .

ويبدأ الطفل بتعلم التقابلات المميزة على المستوى الصواتي . والقواعد التي تحولها إلى منطوق . فما يصفه اللساني هو ما يتعلمه الناشئ . ولهذا ، نقول إن هذا الوصف يقوم على أساس واقع نفساني . فالطفل بحدسه يلمس القيود السياقية فيعرف أصوات لغته ، ويميزها من الأصوات الدخيلة والمعربة ، ويعرف المستحيل منها والممكن والمستعمل والمهمل ، ويميز حسن التكوين فيها من سيء التكوين . فبالنسبة للناشئ العربي ] نرجس [ دخيلة ، و ] عسجد [ سيئة التكوين، و] سراط [ معربة و ] جعل [ حسنة التكوين ، و ] لجع [ ممكنة ، و] مستشزر [ ركيكة . وما يجعلنا نربط الوصف الصواتي بالواقع النفساني أيضا سحب المتكلم إيقاع ونبر لغته الأولى على اللغة الأجنبية التي يتعلمها . فالعربي الذي يتعلم اللغة الفرنسية ذات النبر الثابت يسيء نبر اللغة الأجنبية ولا يتمكن من احترام انفراج صوائتها .

وترتبط الانحرافات النطقية بالواقع النفساني وذلك مثل " جذب " و " جبذ " و " يئس " و " أيس " 000 إلخ. وكل هذه العناصر تبين أن الوصف الصواتي يقوم على أساس واقع نفساني وأنه ليس مجرد تصور لساني.([14])

ولقد ناقش هذه المشكلة كيبرسكي ( 1968 ) بإثارته مشكلة المحايدة ، وردت عليه كيسبيرث . ويبقى أن الصواتة المجردة لم تصل إلى الحسم في مستوى التجريد ، وأن أسئلتها ما زالت قائمة ، وتحتاج إلى جواب . ومع هذا ، فكل الصواتيين التوليديين يعملون انطلاقا من وجود الصيغة التحتية الأساس التي تشتق منها الصرفيات بواسطة قواعد . فما هي الاعتبارات العامة التي يجب أن تقوم لتحديد الصيغ التحتية ؟ فمن هذه الاعتبارات :

أ ) التنبؤ :
بناء على التناوب بين ] ت [ و ] د [ في الألمانية ، نسأل أيهما أقرب إلى التمثيل التحتي ، أو أيهما يمثل البديلة الأساسية . وليس هناك قواعد مطلقة ولا إجراء اكتشاف بل هناك بعض المبادئ العامة التي يرجع إليها في بعض الأحيان الصواتيون ، ومنها التنبؤ . وهكذا يمكن أن نكتب القاعدة التي تحول المجهورات إلى مهموسات في آخر الكلمة كالتالي :
ـ ] – رنان [ ] - جهر [ / ـــ #
( رنان = ( sonorant ) )



ب ) الإقتصاد :
يعتبر في التحليل الصواتي حل أكثر اقتصاديا من آخر إذا تطلب عددا أقل من العناصر . ولقد اعتمدت الصواتة التوليدية هذه الفكرة التي تحمل في بعض الأحيان اسم البساطة التامة أو المطلقة .

ج ) المقبولية :
وتعتمد مقبولية القواعد الطبيعية الأصواتية . فأمام قاعدتين الأولى تعتبر ] ك [ تحتية ، إلى جانب الصوائت الأمامية ، وتقيم القاعدة التالية :
ـ ك ش / ـــــ ح
] + أمامي [
والثانية تعتبر ] ش [ تحتية ، إلى جانب الصوائت الخلفية ، وتقيم القاعدة التالية :
ـ ش ك / ـــــ ح
] خلفي [
نستخلص أن القاعدة الأولى أكثر قبولا من القاعدة الثانية .


× التغييرات الصوتية :

تشير عبارة التغييرات الصوتية إلى التحولات التاريخية ، أو إلى ما يقع في الكلام من تحول عندما يسرع أو يتباطأ المتكلم في خطابه ، أو ما يحدث في إطار سياق من السياقات كما هو الأمر في المماثلة والمخالفة . ففي المماثلة ، قطعة تماثل قطعة أخرى ، وفي المخالفة تختلف قطعة عن أخرى . فإذا أصبحت ] ك[ ] خ[ ، مثلا ، بدون أن ينتج ذلك عن سياق ، نكون أمام ظاهرة إبدال ، يعوض فيها الشديد بالرخو . لكن إذا وقع نفس الشيء ، وكان ناتجا عن سياق صائتي ، اعتبر مماثلة .([15])
لاحظ جاكبسون أن الطفل يتعلم الأصوات الأمامية قبل الخلفية ، والمهموسة قبل المجهورة . ويتحكم هذا الترتيب في التغييرات الصوتية عبر الزمن . ولقد تحولت المجهورات ( ب د ج ) إلى مهموسات ( ب ت ك ) في كثير من اللغات ، كما ينص على ذلك قانون جريم، ولم يلاحظ العكس . ويقول جرينبرج (1966 ) : إن أي تغيير صوتي لا يمكن أن يقع إذا كان يؤدي وقوعه إلى إنشاء نسق مستحيل. وتنتج التغييرات غير السياقية أصواتا تقل تعقيدا عما تنتجه التغييرات السياقية . فيمكن أن تهمس المجهورات خارج السياقات ، لكن المهموسات لا يمكن أن تجهر إلا داخل سياق . فـ ( ب ت ك ) لا تصبح ( ب د ج ) إلا بين حركتين .

ولقد لوحظ أن الأصوات في آخر الكلمات تكون عرضة للترخيم ، وتعكس التي تكون في أول الكلمات مثل ما في " أيم الله " ، " يا صاح " ، " يك " وأن مقطعا مثل ] س ح س [ . يكون أقرب إلى أن يصبح ] س ح [ ، من أن يتحول إلى ] ح س [ هو أول ما يبدأ بتعلمه الطفل .([16])

تكون المماثلة قوة سلبية في حياة اللغات . فهي تؤدي إلى اختزال الأصوات، ولو لم تقاوم لأدت إلى انعدام الفوارق بين الأصوات . وهذه الفوارق ضرورية للفهم الذي ينتج عن القيم الخلافية أو التقابلات . فاللغة تملك قوة مناهضة للمماثلة، وهي المخالفة ، وهو ما يحدث في كلمة تتضمن متماثلين عندما يتحول أحدهما إلى صورة أخرى . مثلا:
يأتم يأتمي، قراط قيراط ، إجاص إنجاص .

وتقتضي المماثلة في اللغة العربية الوجهة ، وتكون مع الصوامت خلفية ، ومع الصوائت أمامية أو خلفية . ففي " وجدت " التي تنطق " وجت " ، تتجه المماثلة من الأمام إلى الخلف . وهذا ما يحدث في لام التعريف مع الحروف الشمسية . أما الكلمات التي تأتي على وزن " افتعل " ويبدأ أصلها الثلاثي بحرف مطبق أو بزاي ، مثل " اصطبر " و " ازداد " ، والتي تبدو لأول وهلة كأنها لا تخضع لنفس القاعدة ، فحقيقة أمرها أن أصل " افتعل " هو " اتفعل " ، وأن المماثلة تقع في إطار هذه الصيغة ، ثم بعد ذلك يقع قلب مكاني . وسيوضح هذا المصطلح فيما بعد .

أما مع الصوائت ، فالممثلة تقع من الخلف إلى الأمام كما في الوكم عند ربيعة كما في : " عليكم " و " بكم " أو الوهم عند كلب كما في " منهم " . ومن المماثلة الإمالة والإتباع في مثل " به " ففي الإمالة نجد الإتجاه من الأمام إلى الخلف ، كما في " كافر " ومن الخلف إلى الأمام ، كما في " مفتاح " ، وفي الإتباع يكون الإتجاه كما في الإمالة نحو : " به " " أدع " .
وتسمى المماثلة من الأمام إلى الخلف رجعية ومن الخلف إلى الأمام تقديمية ، وتكون بالتماس ، وهو ما يقع من الإدغام ، مثل " من + ما " " مما " ، " عن + ما " " عما " ، " من + له " " مله " ، وبالفاصل كما يقع في الصوائت مثل " به " و " عليهم " .

ومفهوم المماثلة يعم مجموعة من الظواهر في اللغة العربية فصلها الوصف التقليدي وسماها بأسماء مختلفة مثل الإدغام ، الذي هو مماثلة كلية ، والإبدال الذي يشير بعضه إلى مماثلة جزئية ، والإمالة التي تخص الصوائت كالإشمام والتفخيم والإتباع والإعلال .

يتطرق ييمسليو في كتابه " اللغة " إلى المخالفة ، ويرى أنها تتأثر بالنبر والموقع والإنفراد أو المصاحبة :
أ ) تقع داخل مقطع منبور في العنصر الذي يوجد بين حركتين مثل PEREGRINUS PELEGRINUS
ب ) إذا كان العنصران يوجدان في مقطعين متماثلين في النبر أو عدمه تقع المخالفة في الأول TEMEBRAE TENEBRAE .
ج ) إذا كان عنصر في أخر المقطع المنبور فالعنصر الذي يكون في آخر المقطع غير المنبور هو الذي تقع فيه المخالفة ARBOR ARBOL في الإسبانية و CORSARO قرصان في اللغة العربية .([17])


× القطعة :

تمثيل الوحدات الدالة بواسطة مصفوفات، تقودنا إلى إهمال مفهوم الفونيم وتعويضه بمصطلح ( القطعة ) الذي يمثل بواسطة عمود من الصفات قد تكون محتوية على الصفات المكملة ـ التي هي حشو ـ أو غير محتوية عليها. والإبقاء على مصطلح الفونيم يكون من جانب التبسيط فقط، فاستعمال الرمز ( ب) لا يفهم منه أكثر من أنه اختصار للمتتالية: ( - صائتي، + صامتي، - كثيف، - حاد، - خيشومي، + مجهور، - مستمر ). ([18])


× المقطع :

لقد منح كثير من الاختصاصيين قيمة حدسية للمقطع ، واعتمدوا في هذا على الكتابة المقطعية حيث كل حرف يمثل مقطعا ، ولكن كثيرا من هؤلاء الاختصاصيين يفضلون اتخاذ موقف لا أدري عندما تعترضهم مشاكل تمنع من تحديد المقطع بكيفية صورية ، وربطه بمتعالق دقيق فزيولوجي أو إصغائي . فتشومسكي وهالي لم يمنحا المقطع وضعا نظريا ، ولم يمنعهما هذا ما اللجوء ضمنيا إلى المفهوم الحدسي للمقطع عند وضعهما سمة ] + مقطعي [ .

ويعسر تصور الإقدام على تحليلات صواتية في غيبة المقاطع . فلقد لوحظ أن المشاكل التي تظهر عند تحديد المقطع في المستوى الفزيولوجي والإصغائي لا تقتصر على المقطع بل هي نفس المشاكل التي تفصل بين الأصواتية والصواتة .

س ح
#ولقد تبين أن صياغة القيود التأليفية في كثير من اللغات تحتاج إلى مفهوم المقطع ، وأن معيار البساطة يلزمنا بإدخال المقطع في نموذج التحليل . فالمشكل الذي كانت تثيره القاعدتان التاليتان اللتان كانتا تكتبان في غيبة المقطع على الشكل الآتي :
س
# ـ ح ( + طويل ) / ــــ
ـ ح ( _ طويل ) / ــــ

س
#
س ح
# فتجتمع فيهم عناصر و لا تمثل طبقة طبيعية . وهذا الإشكال نجد حله بإدراج حد المقطع أي ( لا ) ، فتأتي الصياغة على الشكل التالي :
ـ ح ( + طويل ) / ــــــ لا
ـ ح ( - طويل ) / ــــــ س لا
ولكن هذا الحل لا يقدم لنا معلومات عن بنية المقطع الداخلية .([19])

ولا بد من الإشارة إلى أن تلاميذ تشومسكي وضعوا نظرية جديدة يطلق عليها اسم " نظرية الدلالة التوليدية " وهي تعديل جذري لما وضعه تشومسكي . إن التجديد الأساسي في الدلالة التوليدية يقوم على أن اشتقاق الجملة لا يبدأ بتوليد بنية عميقة نحوية ، كما هي الحال عند تشومسكي ، بل بتوليد بنية دلالية مجردة تعطي التمثيل الدلالي . ومن ثم تخضع هذه البنية إلى عدة تحولات يتم خلالها إدخال مفردات المعجم ، إلى أن يتوصل أخيرا إلى البنية السطحية " . ولأن تركيب المعنى " البنية الدلالية المجردة " يسبق التركيب النحوي ـ عند هؤلاء ـ تم الاعتماد على التمثيل الدلالي للحكم على الجمل المتلازمة دون إيلاء التركيب النحوي الأهمية التي كانت له عند تشومسكي.([20])

[1] عبد الجليل، عبد القادر: الأصوات اللغوية، ط1، دار صفاء ، سلسلة الدراسات اللغوية 6 ، عمان، 1998، ص 318. سيشار إلى هذا المرجع لاحقا بـ ( عبد الجليل : الأصوات اللغوية )
[2] قدور، أحمد محمد: مبادئ اللسانيات، ط1، دار الفكر، دمشق، 1996، ص ص 256-257. سيشار إلى هذا المرجع لاحقا بـ ( قدور: اللسانيات )
* هو عبارة عن تتابع مجموعة من الفونيمات. انظر: قدور : اللسانيات ، ص 258
** هو عبارة عن تتابع مجموعة من الكلمات. انظر: قدور : اللسانيات، ص 258
[3] حركات، مصطفى: الصوتيات والفونولوجيا، ط1، المكتبة العصرية، بيروت، 1998، ص ص 130-131. سيشار إلى هذا المرجع لاحقا بـ ( حركات: الصوتيات )
[4] حركات: الصوتيات، ص 144
[5] السغروشني، إدريس: مدخل للصواتة التوليدية، ط1، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، 1987، ص ص 29-30. سيشار إلى هذا المرجع لاحقا بـ ( السغروشني : الصواتة التوليدية ).
[6] السغروشني: الصواتة التوليدية، ص 20
[7] قدور: مبادئ اللسانيات، ص ص 256-257.
[8] حركات: الصوتيات، ص ص 82-84
[9] انظر: حركات : الصوتيات ، ص ص 144-146
[10] سغروشني: الصواتة التوليدية، ص ص41ـ 42.

[11] قدور: اللسانيات، ص ص 262 ـ 263
[12] قدور: اللسانيات، ص ص 265ـ 266
[13] انظر: حركات : الصوتيات، ص ص 79-80.
[14] سغروشني: الصواتة التوليدية، ص ص 46 – 47 .

[15] سغروشني: الصواتة التوليدية، ص 51
[16] سغروشني: الصواتة التوليدية، ص 45
[17]انظر: سغروشني: الصواتة التوليدية، ص 50 ـ 52 .
[18] حركات: الصوتيات، ص ص 81-82
[19] سغروشني: الصواتة التوليدية، ص 76
[20] قدور: اللسانيات، ص 270